نحو مستقبل قائم على الطاقة النظيفة
بقلم برتراند بيكارد
رئيس مجلس إدارة مؤسسة "سولار إمبلس"
عضو لجنة الاختيار في جائزة زايد للاستدامة
بمناسبة اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية، الذي تم الاحتفال به في العاشر من شهر نوفمبر، فمن الضروري حثّ الحكومات والقطاعات والأنظمة التعليمية والمجتمع المدني على لعب دور رئيسي في تجديد الالتزام الوطني والدولي بتسخير الأبحاث العلمية لخدمة المجتمعات، لا سيما مواجهة مشكلة تغير المناخ. وفي الواقع، فإن إشراك شريحة أوسع من شرائح المجتمع في النقاشات المتعلقة بالقضايا العلمية الناشئة تبدو اليوم حاجة ملحّة أكثر من أي وقت مضى.
بات العالم في حاجة أكبر إلى مصادر الطاقة، فقد وصل معدل استهلاك الطاقة في عام 2018 إلى نحو ضعفي معدل النمو المسجّل منذ عام 2010، ويعود ذلك إلى عوامل عدة تشمل التطور الاقتصادي والنمو السكاني وارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات قياسية.
لذلك فإن حجم الجهود المبذولة من أجل توفير موارد طاقة جديدة خلال السنوات القليلة القادمة، ستتحدد مدى قدرة العالم على مواجهة تداعيات أزمة المناخ.
وفي الوقت الذي يزداد الاعتماد على الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء على مستوى العالم، كطاقة الشمس والرياح، فإن الوقود الأحفوري لا زال يُستخدم بكثافة، على الرغم من أنه أعلى كلفة من الطاقة المتجددة، فضلاً عن دوره المُثبت علمياً في مسألة التغيّر المناخي.
لقد أتاحت لي رحلتي حول العالم على متن "سولار إمبلس"، الطائرة التي تعمل بالطاقة الشمسية، إدراك مدى الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها الطاقة المتجددة وقدرتها على صنع المستحيل. واستكمالاً للنتائج التي حققتها هذه الرحلة، فقد أطلقنا من خلال مؤسسة "سولار إمبلس" تحدياً يهدف إلى إيجاد 1000 حل نظيف، وقد وصلتنا المئات من الابتكارات في مجال الطاقة النظيفة، فضلاً عن مجالات المياه والمدن الذكية والصناعة والزراعة والعديد من القطاعات الأخرى. وقد بات جلياً توفر العديد من الحلول التي تساعدنا في التصدي لأزمة المناخ، والأهم أنها حلول ذات جدوى تجارية، وكل ما يتطلبه الأمر هو توفير الدعم والترويج والتمويل لها، وتوسيع نطاق انتشارها على المستوى العالمي. وهذا بالتحديد ما تقوم به كل من جائزة زايد للاستدامة، التي أشغل عضوية لجنة الاختيار فيها، ومؤسسة "سولار إمبلس"، حيث تحرص كلا الجهتين على توفير الدعم لتطوير المشاريع المستدامة والحلول المبتكرة.
واستناداً إلى هذه الوقائع، فإن التحول نحو اعتماد الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة يعتبر أمراً منطقياً بغض النظر عن أزمة التغيّر المناخي. وإن تحقيق هذا التحوّل يستدعي التركيز على أربعة محاور أساسية هي:
تنويع المصادر: لن يكون مصدر واحد من مصادر الطاقة قادر على القيام بهذه المهمة بمفرده، إذ أن أمن الطاقة لن يتحقق إلا من خلال الجمع بين مختلف المصادر ومعرفة كيفية إدارتها بالشكل الصحيح، وتشمل هذه المصادر: الطاقة الشمسية الحرارية والكهروضوئية، وطاقة الرياح، والطاقة الحرارية الأرضية الجوفية، والطاقة الكهرومائية التي يتم الحصول عليها من خلال السدود والأنهار الصغيرة، والكتلة الحيوية.
تخزين الطاقة: غالباً ما يتم تصنيف الطاقة المتجددة على أنها مصدر غير موثوق به، بالمقابل تضمن الشبكات الذكية توفير الكهرباء بصورة متواصلة وتوزيعها على نطاق واسع. وقد مثّلت مسألة توفير حلول لتخزين الطاقة تحدياً صعباً لسنين طويلة، حيث كان الفشل مصير الكثير من المحاولات لتطوير مثل هذه الحلول. ولكن تم في الآونة الأخيرة إحراز تقدم معقول في زيادة الاعتماد على تقنيات التخزين في قطاع الطاقة حول العالم.
الربحية: شهدت السنوات الماضية حصول انخفاض في تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة، لتصبح حالياً أكثر تنافسية. وبناء على ذلك، بات توليد الكهرباء بالاعتماد على الطاقة الشمسية أرخص الآن من الاعتماد على توربينات الغاز في معظم دول الشرق الأوسط.
ومن جهة أخرى، هناك تطابق بين تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة وسعرها، وذلك بخلاف الطاقة التقليدية. وإن تواصل استمرار انخفاض أسعار تكنولوجيا الطاقة المتجددة سيكون له تأثير إيجابي على الصحة العامة والاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل. كما سيقود ذلك إلى خفض التكاليف في كلا القطاعين العام والخاص، والحد من التلوث، وتخفيف المخاطر البيئية المرتبطة باستهلاك الطاقة التقليدية.
كفاءة الطاقة: هل فعلاً ستنجح حلول الطاقة المتجددة في أن تحل محل مصادر الطاقة المستخدمة حالياً بشكل كامل؟ إذا ما استمر مجتمعنا في إهدار الطاقة بالشكل الذي يقوم به حالياً، فبالتأكيد لن تنجح. علينا أن ندرك الحاجة الملحة إلى أن تطوير مصادر الطاقة المتجددة يجب أن يتم بالتوازي مع تعزيز الكفاءة في استهلاك الطاقة. فالمصابيح الكهربائية المتوهجة، ومحركات الاحتراق، ونظم عزل المنازل، وأجهزة التدفئة والتبريد، وشبكات توزيع الكهرباء، جميعها تقنيات قديمة عمرها أكثر من 100 عام.
ويبرز سؤال هنا، لماذا يتم التركيز على تطوير تقنيات الاتصال بشكل يفوق الجهود المبذولة في تطوير تقنيات الطاقة؟ لنأخذ طائرة "سولار إمبلس" كمثال، فبفضل التقنيات الموفرة للطاقة على متنها، مثل محركاتها التي تحقق نسبة كفاءة تبلغ 97٪ مقارنة بـ 27% للمحركات الحرارية التقليدية، استطعنا الطيران لمدة 117 ساعة متواصلة، معتمدين بشكل كامل على أشعة الشمس. وأعتقد بأن هذه التجربة تمثل دليلاً دامغاً على أهمية كفاءة الطاقة وما تنطوي عليه من إمكانات كبيرة.
إننا نواجه تحدياً كبيراً، لكنني أؤمن بقدرة الإنسان على الارتقاء إلى مستوى التحدي والتحلي بالجرأة والإبداع. لكن النجاح في تحقيق التحوّل في مجال الطاقة لن يعتمد على الابتكار وحده، بل يتطلب أيضاً تبني الحكومات لمبادرات رائدة، وعلينا هنا تحفيز الحكومات على التحرك ووضع خطط وأهداف طموحة.