بقلم د. أندرياس جاكوبس
عضو لجنة تحكيم جائزة زايد للاستدامة, رئيس مجلس إدارة مؤسسة "انسياد"
يشكل الشباب نسبة كبيرة من التعداد السكاني العالمي، فقد أظهرت احصائيات عام 2018 أن 15% من سكان العالم البالغ عددهم 7.6 مليار نسمة تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً، بينما بلغت نسبة الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً 26%[1]. وفي ضوء التحديات التي تواجه كوكبنا، بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى العمل على ضمان تزويد الأجيال القادمة من القادة بالأدوات اللازمة والفرص المناسبة للتصدي لهذه التحديات وإيجاد الحلول لها.
وفي الوقت الذي يوافق فيه عام 2019 الذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، لا يزال هناك أطفال وشباب حول العالم يعانون من ظروف صعبة. وإذا ما نظرنا إلى أن واحد من بين كل عشرة أطفال محاصرين في مناطق النزاع أو إلى أن عشرات الملايين منهم يفتقرون إلى التعليم الأساسي أو الرعاية الصحية، نجد أن هناك حاجة ملحّة لتحسين وضع الشباب وضرورة اتخاذ خطوات جدية وترجمة الأقوال إلى أفعال.
ومع اقترابنا من نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي ونحن نرى الشباب لا يزالون يواجهون المزيد من العزلة بسبب عدم الاستقرار السياسي أو تحديات سوق العمل أو محدودية المشاركة في أنشطة مدنية. وبناء على ذلك، يمثل "اليوم العالمي للشباب"، الذي تعتمده الأمم المتحدة في12 أغسطس ويتمحور موضوعه هذا العام حول "النهضة بالتعليم"، فرصة يجب اغتنامها لتسليط الضوء على هذه التحديات.
وتعتبر تنمية قدرات وكفاءات الجيل القادم من المواضيع التي تستحوذ على قدر كبير من اهتمامي. فمن خلال منصبي كرئيس لمجلس إدارة مؤسسة "انسياد"، فإنني أشرف على تطوير وتثقيف جيل جديد من قادة الأعمال، كما أنني أعمل على الاستثمار في المستقبل من خلال دعم شباب اليوم، وذلك عبر العلاقة التي تربطني بمؤسسة "جاكوبس"، التي تستثمر في مستقبل الشباب عبر تمكينهم من أن يصبحوا أعضاء منتجين ويتحلوا بالمسؤولية الاجتماعية.
كما يشرفني أن أساهم في بناء مستقبل أفضل من خلال عضويتي في لجنة تحكيم جائزة زايد للاستدامة، الجائزة العالمية التي أطلقتها دولة الإمارات لتكريم المؤسسات والمدارس الثانوية العالمية التي تنجح في تطوير مشاريع تدعم التنمية المستدامة وتتسم بمقومات الابتكار والأفكار الملهمة والتأثير الإيجابي.
تأسست جائزة زايد للاستدامة في عام 2008، وبعد أربع سنوات من تأسيسها تم إضافة فئة المدارس الثانوية العالمية عام 2012 بهدف تشجيع الشباب وتفعيل مشاركتهم بشكل مباشر وفاعل في الجهود العالمية من أجل التحول نحو الاستدامة. ومنذ إطلاق هذه الفئة، تم منح الجائزة لـ 35 فائزاً، استطاعت مشاريعهم إحداث تأثير إيجابي على المدارس والمجتمعات المحلية، كما ساهمت هذه المشاريع في الحد من انبعاث 3400 طن من ثاني أكسيد الكربون وتوليد 4.2 مليون كيلوواط ساعي من الطاقة المتجددة. وقد بلغ عدد المستفيدين المباشرين وغير المباشرين من مشاريع المدارس الثانوية الفائزة هذه أكثر من 388 ألف شخص.
إن تشجيع الشباب على تقديم مساهمات فعّالة تندرج ضمن أجندة الاستدامة العالمية من خلال إتاحة الفرصة لهم بالتفاعل المباشر مع مجتمعاتهم وتقديم أفكار جديدة من شأنه أن يؤسس لنهج أكثر تفانياً في إدارة الاستدامة وتوفير حلول لخدمة الإنسانية. ورغم كثرة التحديات وتعددها، غير أن الخطوة الأولى للتغلب عليها هي وجود الإرادة والرغبة في إحداث تغيير إيجابي ودعم ذلك من خلال العمل الجاد، بالإضافة إلى تمويل المنظمات الإنسانية والحكومات الذي يعد جزءاً أساسياً من هذه العملية ويساعد في توليد الأفكار ومن ثم تطبيقها على أرض الواقع.
وفي ظل ظهور المزيد من المبادرات في مجال الاستدامة، ينشط العديد من الشباب في جميع أنحاء العالم ضمن هذا المجال ويعملون بجد من أجل تحويل أفكارهم إلى أفعال. وتعد الشابة والناشطة في مجال البيئة السويدية غريتا ثونبرج أحد الأمثلة على ذلك، حيث أصبحت هذه الشابة شخصية بارزة ضمن حراك عالمي للشباب للمطالبة باتخاذ إجراءات عملية ومضاعفة الجهود لمكافحة ظاهرة التغير المناخي.
فلنحتفل جميعاً -كباراً وصغاراً- باليوم العالمي للشباب هذا العام من خلال تأكيد التزامنا بتوفير فرص متساوية للجميع من أجل الحصول على تعليم جيد، فمن خلال النهوض بالتعليم نساهم في تطوير مهارات الفرد وتنمية المجتمع، وعبر مواصلة توفير الفرص والبيئة المناسبة لتحقيق ذلك، فإننا نضع أساساً متيناً يضمن مستقبلاً أفضل لنا جميعاً.