أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرة "20 في 2020" ترسيخاً لإرث الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" في مجال الاستدامة والعمل الإنساني، وبهدف إحداث تأثير إيجابي ملموس.
حيث تتولى المبادرة الإشراف على التبرع بتقنيات وحلول مستدامة جرى تطويرها من قبل الفائزين والمرشحين النهائيين لجائزة زايد للاستدامة. وتهدف كافة الحلول والتقنيات التي يجري توزيعها في إطار المبادرة، إلى معالجة التحديات الأكثر إلحاحاً في قطاعات الصحة، والغذاء، والطاقة، والمياه.
وتضم مبادرة "20 في 2020" التي تقودها جائزة زايد للاستدامة، مجموعة متنامية من الشركاء البارزين والتي تشمل سوق أبوظبي العالمي، وصندوق أبوظبي للتنمية، ومبادلة للبترول، ووزارة التسامح والتعايش، ومصدر، وبنك "بي ان بي باريبا"، أحدث المنضمين للمبادرة وأول شريك دولي، وكانت مجموعة ماجد الفطيم قد انضمت للمبادرة في وقت سابق من هذا العام لدعم الجهود التي تقوم بها المبادرة في مصر والأردن.
كمبوديا: توفير مصدر مياه حيوي ضمن القرى وإحدى العيادات والمدارس
ساهمت المبادرة الإنسانية "20 في 2020" في شهر أكتوبر الماضي بمنح الآلاف من سكان ثلاث قرى في كمبوديا فرصة تحسين حياتهم وجعلها أكثر جودة وصحة وأماناً، حيث قامت بتركيب تقنية "سيف ووتر كيوب" الجديدة لترشيح المياه من تطوير منظمة "أغير انسمبليه"، وهي منظمة غير ربحية بارزة مقرها فرنسا، وكانت قد وصلت لقائمة المرشحين النهائيين عن فئة المياه في دورة جائزة زايد للاستدامة لعام 2019.
شمل مشروع المبادرة في كمبوديا تركيب خمسة من النظم الجديدة، ليستفيد منها نحو 4400 شخص من سكان قرى شنوك ترو، وكامبونغ فراه، وسيس سالاب.
وبفضل هذه التقنية الجديدة التي تساعد في ترشيح المياه وتنقيتها بشكل ممتاز، بات بإمكان سكان القرى ومدرسة قرية شنوك ترو والعيادة الصحية الحصول للمرة الأولى على مياه نظيفة وآمنة. ويساعد هذا الحل المبتكر السكان على تفادي العديد من الأمراض المنقولة عبر المياه وغيرها من المشكلات الصحية الناجمة عن المياه الملوثة، كما توفر إمكانيات جديدة تساعد في تحسين مستويات النظافة، وهو أمر أساسي نظراً لأهمية غسل اليدين للوقاية من انتشار فيروس كورونا.
ويعتبر نظام "سيف ووتر كيوب" تقنية مبتكرة توفر إمكانية الحصول بشكل فوري على مياه صالحة للشرب من خلال تنقية المياه السطحية (الأنهار وبرك المياه والآبار والمياه المالحة) من الفيروسات والبكتيريا.
ويساهم تركيب هذه النظام ضمن القرى في خفض حالات المرض بشكل كبير، وإحداث تغيير إيجابي في حياة الناس، فمن شأن التمكن من توفير مياه نظيفة المساعدة في تحسين الظروف الصحية للسكان، فضلاً عن تمكين الأطفال من المواظبة على الذهاب للمدرسة ورفع مستوى البيئة التعليمية. كما يتيح هذا النظام للكبار القيام بأنشطة اقتصادية مدرة للدخل، في حين أنه يريح النساء من عناء جلب المياه. وهكذا لم يعد استهلاك المياه أمراً ينطوي على مخاطر، فضلاً عن مساهمة هذ الحل في تعزيز الوضع الصحي على المدى البعيد.
سان صوفي أم شابة تبلغ من العمر 23 عاماً، وهي حامل في شهرها الثالث بطفل آخر. وكانت صوفي قد ولدت هي وزوجها عند بحيرة "تونلي ساب" في مستوصف "دون سداينغ" العائم. ولم يعرف الاثنان أي حياة أخرى بعيداً عن المياه. ومن التحديات التي واجهتهما لسنوات هو نقص توفر مياه شرب نظيفة. تقول صوفي: "زوجي صياد سمك وأنا أتنقل في القارب الذي نملكه لأداء الأعمال المنزلية اليومية".
لقد أثرت الجائحة المستمرة سلباً على صوفي والعديد من العائلات التي تعيش نفس الظروف. فلم يعد هناك سائحون يزورون القرى العائمة. فالأسرة تعتمد على بيع المصنوعات اليدوية من أجل توفير المال اللازم لشراء الاحتياجات اليومية، ومن ضمنها الحصول على مياه مرشحة. ومع اختفاء مصدر الرزق هذا، عانت الأسرة من صعوبات مالية، حيث باتت تعتمد بشكل كلي على دخل زوجها.
وتوضح صوفي: "لم يكن لدينا ما يكفي من المال لشراء عبوات سعة 20 ليتراً من المياه المرشحة بسعر 5000 ريال (ما يعادل 1.25 دولار). فكان الخيار الوحيد أمامنا في الأشهر القليلة الماضية هو غلي مياه البحيرة أو وضع المياه تحت أشعة الشمس لقتل أي بكتيريا. لكن هذه الممارسات غير كافية لتنقية المياه بشكل الكامل، فالمياه تبقى ملوثة!"
ومنذ تركيب تقنية ترشيح المياه في العيادة الصحية المحلية، تذهب صوفي إلى هناك بشكل متكرر لإجراء الفحوصات والحصول على مياه صالحة للشرب لجميع أفراد أسرتها وجيرانها.
وتقول صوفي معربة عن سعادتها وامتنانها: "أنا ممتنة جداً للتمكن من الاستفادة من نظام ترشيح المياه، فقد كنت قلقة جداً أن يؤثر الشرب من مياه البحيرة سلباً على صحة طفلي الذي لم يولد بعد. واليوم، لم أعد أشعر بالمرض كما اختفت التقلصات المعوية المؤلمة".
مدغشقر: معالجة مشكلة توفير مياه نظيفة في المناطق الريفية
على غرار مشروع كمبوديا، قامت مبادرة "20 في 2020" بتركيب نظام "سيف ووتر كيوب" في خمس مناطق ريفية في مدغشقر مع نهاية شهر نوفمبر الماضي، وذلك بهدف تحسين جودة الحياة اليومية لنحو 8500 شخص. وتشمل الفئات المستفيدة من المشروع أيضاً 4200 طفل ممن تتراوح أعمارهم بين 4 و16 عاماً، موزعين بين الطلبة وأسرهم.
ويأتي هذا المشروع في إطار الجهود المبذولة لمواجهة التحدي المتمثل في توفير مياه نظيفة ضمن المجتمعات النائية في مدغشقر، إلى جانب المساهمة في دعم مساعي الحكومة المحلية لتعزيز حلول معالجة المياه في المجتمعات الريفية تماشياً مع هدف التنمية المستدامة المتعلق بالمياه والصرف الصحي والنظافة.
وقد تم تركيب أربعة نظم لترشيح المياه في مدارس تشمل "سانت جوزيف" في أنتسيراب، ومدارس في كل من فوهيتتراريفو وأمبوهيجافي وأمبوهيجافي تالاتا أندرايكيبا، والتي يمكن أن يستفيد منها أيضاً السكان المحليين لهذه القرى. كما تم تركيب نظام آخر ضمن مستشفى في قرية أندرايكيبا لتوفير مياه صالحة للشرب للمرضى وكوادر الرعاية الصحية.
وبحسب بعض الدراسات الدولية، يفتقد أكثر من 58% من السكان في مدغشقر لإمكانية الحصول على مياه صالحة للشرب، في حين أن نحو نصف المنازل فيها غير مزودة بمرافق نظافة صحية.
فوهانجينيرنا رايفومانانا هي أم تبلغ من العمر 42 عاماً، رافقت ابنتها الحامل إلى عيادة محلية لأن صهرها لا يستطيع تحمل خصم يوم إجازة من راتبه المنخفض. وهذه قصة جميع الأمهات الحوامل في قرية أندريكيبا، حيث تجري الولادة إما في عيادة أو في المنزل مع قابلة طبية تقليدية.
تقول إحدى أقارب فوهانجينيرينا: "اخترنا الذهاب إلى عيادة سانت كلير داسيس، تحسباً لحدوث أي مضاعفات، فهذا طفلها الأول ولم أكن أريدها أن تلد في المنزل. ومن الصعب بالفعل العثور على مكان آمن للولادة، وأينما توجهت النساء فلن يكون هناك مياه نظيفة وآمنة."
كان على فوهانجينيرينا إحضار المياه المغلية من منزلها إلى العيادة، ليس فقط من أجل عائلتها، ولكن أيضاً لكي يستخدمها طاقم الرعاية الصحية.
ومنذ تركيب نظام ترشيح المياه في إطار مبادرة "20 في 2020"، أصبح بإمكان أي شخص الذهاب إلى العيادة والحصول على مياه نظيفة.
وتقول فوهانجينيرينا: "لقد شعرت بارتياح شديد لأن لدينا الآن نظام ترشيح المياه ضمن العيادة. كنت أخشى أن لا تكون المياه التي أحضرتها كافية، وهذا يعني أنني سأضطر إلى شراء المياه المعبأة وهي باهظة الثمن بالنسبة لي ".
ومنذ إطلاقها في ديسمبر 2019، ساهمت مبادرة "20 في 2020" ضمن مرحلتها الأولى في نشر حلول تقنية مستدامة في ثمان دول، بدءًا من حلول حيوية توفر الإنارة، ووصولاً إلى حلول تعزز إمكانية الحصول على مياه نظيفة وخدمات النظافة. وتساهم المرحلة الأولى من المبادرة حالياً في إحداث تأثير إيجابي في حياة أكثر من 110،000 شخص.
فائزان بجائزة زايد للاستدامة يتعاونان لتقديم حلول تعزز من جودة الحياة ضمن مجتمع الصيادين المحلي في إندونيسيا
اختتمت المبادرة الإنسانية الإماراتية (20 في 2020) عام 2020 بتنفيذ أحد مشاريعها المستدامة بمنطقة "بالاو لاو سيلاتان" بمقاطعة كاليمانتان الجنوبية بإندونيسيا وذلك في شهر ديسمبر الماضي، والذي ساعد أكثر من 21 ألف شخص من مجتمع الصيادين الكبير في المنطقة من الحصول حلول على الطاقة ومصابيح شمسية غير متصلة بالشبكة.
وبحسب المكتب المركزي للإحصاءات في أندونيسيا، فإن غالبية سكان جزر قطاع "كوتا بارو" الواقعة في كاليمانتان الجنوبية يفتقدون للكهرباء، وهو ما يفرض على المجتمعات المحلية مواجهة العديد من المخاطر والتحديات اليومية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
وتقع منطقة "بالاو لاو سيلاتان" في قطاع "كوتا بارو ريجنسي"، حيث يفتقد أكثر من ربع السكان لحلول الإنارة، في حين تعتمد معظم الأسر على مهنة الصيد من أجل كسب دخلها. وفي إطار مشروع المبادرة، تم توزيع 3600 مصباح شمسي و1000 مصباح شمسي محمول على الصيادين الذين يفتقرون لخدمة الكهرباء، وذلك لمساعدتهم في عملهم وتوفير إنارة ضمن منازلهم، ما ساهم في تعزيز النشاط الاقتصادي عبر التمكن من الصيد في الصباح الباكر قبل شروق الشمس وكذلك ليلاً بعد أن يحل الظلام.
كما سيكون لهذه المصابيح تأثير على الوضع الصحي، حيث ستحل محل مصابيح الكيروسين التي يتم الاعتماد عليها بشكل رئيسي لتوفير الإنارة ضمن المنازل، إلى جانب الشموع ومولدات الديزل، والتي يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على صحة الناس والبيئة وكذلك الإنتاجية. كما أصبح بإمكان المراكز الصحية استقبال المرضى ليلاً.
وعلى المستوى الاجتماعي، يساهم هذا المشروع في تعزيز الأنشطة الاجتماعية والصحية من خلال توفير الإنارة ضمن المنازل والمرافق العامة ليتمكن السكان من إقامة مثل هذه الأنشطة ليلاً، مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية لمكافحة جائحة كوفيد-19 والمتعلقة بتنظيم التجمعات والفعاليات الرياضية ضمن القرية.
كما تساهم حلول الطاقة النظيفة في تحسين جودة الحياة بشكل عام ضمن هذه المجتمعات وذلك من خلال إتاحة المجال لطهي الطعام والاستحمام والقيام بغيرها من الأنشطة مساءً، وبات الآن بإمكان 3300 طفل على الأقل الدراسة ليلاً باستخدام المصابيح الشمسية.
ويجسد هذا المشروع مثالاً على التعاون الفريد بين الفائزين بجائزة زايد للاستدامة. فقد تولت شركة "دي لايت"، الفائزة بالجائزة عام 2013، مهمة تزويد مبادرة (20 في 2020) بحلول الإنارة المستدامة، وهي شركة مقرها الولايات المتحدة الشركة ورائدة عالمياً في مجال تطوير حلول طاقة مستدامة ومنخفضة التكلفة. في حين أشرفت منظمة "كوبرنيك" الإندونيسية الفائزة بالجائزة عام 2016 على تنفيذ المشروع ضمن المجتمع المحلي، وهي منظمة غير ربحية متخصصة بالطاقة المستدامة وتعمل على الحد من الفقر في المناطق النائية.
وخلال حديثه عن تأثير حلول الطاقة الشمسية الجديدة على المجتمع المحلي، عبّر سياهر آني، رئيس قطاع جزيرة "ويست لاوت" في منطقة "كوتابارو ريجنسي"، عن امتنانه لتوفير المصابيح الشمسية في الجزيرة، مؤكداً أن السكان أصبح بإمكانهم الآن القيام بأنشطة ليلية، وخاصة صيد الأسماك، وتلبية احتياجات أسرهم. وقال آني: "كان الصيادون فيما مضى يستعينون بالمصابيح الكهربائية أو المصابيح التي تحتوي على الكيروسين والتي تكلّفهم مصاريف إضافية، غير أن حلول الإضاءة النظيفة التي وفرتها مبادرة (20 في 2020) ساهمت بدون شك في خفض النفقات الإجمالية التي يتكبدها الصيادون".
وعبّر جهراني، وهو صياد من قرية "نيلايان تيلوك كيمونينغ" وأحد المستفيدين من مبادرة (20 في 2020)، عن امتنانه لتوفير هذه المصابيح الشمسية نظراً لأنها تساعده عند الخروج إلى البحر ليلاً. وقال: "بات بإمكاني رؤية الأشجار التي تنجرف في البحر وتجنبها عند الصيد. كما يمكن شحن هذه المصابيح ببساطة عن طريق تعريضها للشمس، مما يجعل الأمر أكثر سهولة حين أكون في وسط المحيط".
وقالت سانتاليا، وهي إحدى الأمهات من سكان قرية "لونتار تيمور": " تساعد هذه المصابيح ابني على الدراسة في ساعات مختلفة من الليل. وقد أصبحت القراءة وأداء الواجبات المنزلية أكثر سهولة لأن هذه المصابيح يمكن أن تزودنا بالإنارة الكافية التي تساعدنا أيضاً خلال دراسة الأطفال من المنزل في ظل انتشار الوباء".
وفيما يتعلق بتعزيز السلامة في القرى المتضررة بعد نشر حلول مبادرة (20 في 2020)، أكد محمود، أحد سكان قرية "تابيان بالا"، بأنه بات وعائلته يشعرون بالأمان عند القيام بالأنشطة خارج المنزل في فترة المساء. وقال محمود: "إن المصابيح توفر إنارة جيدة جداً بحيث يسهل علينا القيام بالأنشطة في الليل مثل الذهاب إلى الحديقة أو الخروج من المنزل والتواصل مع الناس".
ولضمان تلبية احتياجات المجتمع المحلي خلال عملية توزيع المصابيح، تعاونت الشركتان الفائزتان بالجائزة مع منصة "أرونا" للتجارة الإلكترونية المتخصصة بمصايد الأسماك الإندونيسية والتي تركز على تطوير اقتصاد الثروة السمكية من خلال إنشاء تجارة عادلة وشفافة لمصايد الأسماك تعتمد على الابتكار التكنولوجي. وتعاونت جميع الأطراف لإجراء تقييم شامل قبل عملية توزيع المصابيح الشمسية على المجتمعات.