لنحمي كوكبنا من أجل صحة أفضل
News Post Image
29 يونيو 2022 مشاركة

بقلم  سعادة الدكتورة مها بركات مدير عام مكتب "فخر الوطن"، والمستشار الأول لشركة "مبادلة"، وعضو لجنة الاختيار في جائزة زايد للاستدامة

شكّلت جائحة (كوفيد 19) وأزمة تغير المناخ مصدر إلهام لإطلاق دعوات جديدة من قبل الأفراد والمنظمات والحكومات تطالب باتخاذ خطوات جديّة وسريعة وعاجلة لتحقيق أسلوب حياة أكثر استدامة.

وفي حال تم الوفاء بهذه الدعوات المطالبة بخفض الانبعاثات الكربونية وتبني نظام طاقة أكثر مراعاة للبيئة، فسيكون لذلك تأثيرات مهمة على الصحة العامة. حيث ثمة ارتباط وثيق بين موضوع تغير المناخ العالمي وصحة الإنسان. وتتسبب مصادر الطاقة الملوِّثة في تفاقم أزمة المناخ، ويترافق تأثيرها مع الطقس القاسي الذي يشهده العالم والأمراض التي تهدد بتدمير المجتمعات.

وتؤدي المشكلات الصحية المتعلقة بالمناخ إلى زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض والوفاة بسبب موجات الحرارة الشديدة والحرائق والأمراض المنقولة عن طريق الأغذية والمياه والأمراض المعدية وسوء التغذية الناتج عن نقص إنتاج الغذاء في المناطق الفقيرة.

ولسوء الحظ، تؤثر هذه المشكلات الصحية بشكل أساسي على سكان البلدان النامية الذين يعتبرون الأقل مساهمة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب تلوث الهواء الناجم عن تغير المناخ في وفاة ما يقدر بنحو 7 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم سنوياً، منهم أكثر من مليون شخص في أفريقيا، ومن بينهم 385 ألف طفل دون سن الخامسة. وفي ظل تزايد هذه المشاكل الصحية المتعلقة بالمناخ في جميع أنحاء العالم، تواجه أنظمة الرعاية الصحية تحديات غير مسبوقة.

وفي ضوء هذه المؤشرات، فإنه ليس من المستغرب أن يركز يوم الصحة العالمي لهذا العام، والذي يحمل شعار "كوكبنا ، صحتنا"، على العلاقة بين حماية كوكبنا والحفاظ على صحة سكانه. ويعني الارتباط بين تفشي الأمراض وأزمة المناخ أن هناك فرصة لتحقيق فوائد واسعة النطاق في مجال الصحة إذا تم التعامل مع مشكلة التغير المناخي بصورة مباشرة.

وقد اعترف القادة المشاركون في مؤتمر المناخ COP26 الأخير الذي عقد في جلاسكو بهذه العلاقة المترابطة ومدى أهميتها، حيث تم تسليط الضوء على أنظمة الرعاية الصحية في العالم والإقرار بأن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به من أجل بناء أنظمة صحية قادرة على التكيف مع المناخ. واقترح التقرير الخاص الصادر عن مؤتمر COP26 بشأن التغير المناخي والصحة، مجموعة من الإجراءات ذات الأولوية التي تدعو صانعي السياسات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن معالجة أزمات المناخ والصحة الحالية.

ومن أجل أن تساهم هذه المبادرات في إحداث تغيير حقيقي وتحافظ على صحة ملايين الأشخاص حول العالم من الذين يعانون من االتبعات السلبية لتغير المناخ، يجب علينا العمل بشكل منهجي على مستوى الأنظمة وتعزيز التعاون المشترك في سبيل إيجاد حلول تضمن مرونة أنظمة الرعاية الصحية بالتوازي مع بناء مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية.

وتعمل القيادة في دولة الإمارات على تعزيز الاعتماد على نظم الطاقة النظيفة  كأحد الاستراتيجيات الأساسية لمواجهة أزمة التغير المناخي وتحقيق خفض كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة التي تتسبب في تفاقم المشكلات الصحية المرتبطة بالمناخ.

وتجسد جائزة زايد للاستدامة، الجائزة الرائدة التي أطلقتها دولة الإمارات لتكريم أصحاب الابتكارات المستدامة والجهود الإنسانية، والتي كان لي شرف المشاركة في لجنة الاختيار التابعة لها، مثالاً ملهماً من حيث مساهمتها الفاعلة في تطوير نظم وخدمات رعاية صحية تتسم بالمرونة والاستدامة. وتكرم الجائزة، التي تستقبل حالياً طلبات المشاركة في دورتها لعام 2023، الشركات الصغيرة والمتوسطة، والمنظمات غير الربحية، والمدارس الثانوية، التي تقدم حلولاً مستدامة ومؤثرة ضمن فئات الصحة، والغذاء، والطاقة، والمياه، والمدارس الثانوية العالمية. وتساعد منحة الجائزة هذه المؤسسات على تطبيق حلولها المبتكرة على نطاق أوسع لتشمل المزيد من المجتمعات المتضررة، وكذلك تمكين الشباب في المدارس الثانوية من المساهمة بدور فاعل في بناء مستقبل أكثر استدامة.

وقد قام الفائزون السابقون بالجائزة ضمن فئة الصحة بتطوير ابتكارات ساهمت في تعزيز فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية. فعلى سبيل المثال، وفرت "ماموتيست" الفائزة بالجائزة في عام 2022، خدمة التصوير الإشعاعي للثدي والتشخيص لآلاف السيدات في أمريكا اللاتينية، في حين ساهمت مؤسسة "وي كير سولار" الفائزة بالجائزة في عام 2018، في  تعزيز إمكانية مراقبة الجنين لملايين النساء في أفريقيا. إن هذا النهج الناجح الذي تتبناه الجائزة في العمل مع مختلف المنظمات لتسخير الموارد من أجل التوصل إلى حلول مستدامة فعالة، يمثل نموذجاً مهماً يجب أن يحتذى في مختلف أنحاء العالم.

إن التحول نحو نظام رعاية صحية أكثر مرونة وفعالية مرهون بتحقيق التحول نحو نظم طاقة كفيلة بتوفير الطاقة لمختلف الأنشطة الاقتصادية، وهذا يعتمد على مدى قدرتنا على التعاون والعمل معاً ضمن شراكات متكافئة لتعزيز انتشار الحلول المتوفرة، والتشجيع على تطوير حلول وقائية للمستقبل. ويمثل هذا النهج ركيزة أساسية لحماية الكوكب والحفاظ على صحة الإنسان.